المولد النبوي وذكرى عطرة
د. محمد عبده يماني
ما أجمل الاهتمام بالذكريات العطرة.
ما أروع أن نسترجع ذلك التاريخ المجيد.
وما أجمل أن نقدم للناشئة صورا من حياة
الحبيب صلى الله عليه وسلم: مولده
نشأته، دعوته، جهاده في الله حق جهاده.
تطوف بنا الذكريات العطرة في سيرة سيدنا محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ، ونحس بتجدد العهد مع هذه السيرة العطرة؛ لأنها تربطنا بحياته ــ صلى الله عليه وسلم ــ، ودعوته ونشأته وولادته. ومن هنا فإن من واجب الأمة اغتنام مثل هذه الذكريات العطرة والجلوس مع الأهل والأولاد لاسترجاع جوانب من هذه السيرة، ثم أن مدارسنا لابد أن تغتنم الفرصة وتتوقف في مثل هذه المناسبات ولو لأوقات قصيرة توصي فيها الأساتذة ومسؤولي الثقافة بربط الأولاد بجوانب السيرة النبوية؛ وذلك لأنه هو القدوة وهو الأسوة والله ــ سبحانه وتعالى ــ علمنا من فوق سبع سماوات أنه اختاره ليكون نبي هذه الأمة وقدوتها وقائد مسيرتها، وأن طاعته بأمر الله عز وجل (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (النساء: الآية 80) حتى أنه جعل محبته عز وجل تبدأ باتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (آل عمران: الآية 31) ولابد أن نتعلم هذه السيرة وهذه السنة النبوية حتى نتبع سيدنا محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ على الأسس السليمة. فنعلم الأولاد أنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ صفوة المصطفين وخاتم المرسلين ودعوة إبراهيم وبشارات موسى وعيسى وهو إمام النبيين، ونربط هؤلاء الناشئة بحياته صلى الله عليه وسلم، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وبالتالي نغرس حب سيدنا محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ في قلوب أولادنا، لأنه كما علمنا «من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني فقد أطاع الله»، وكلما فعلنا ذلك اقتربنا من قمة الإيمان: «إن المؤمن لا يصدق ولا يذوق حلاوة الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما».
والمناسبة التي تمر بنا في هذه الأيام هي مناسبة كريمة كانت بداية لتاريخ عظيم وهي ذكرى المولد النبوي الشريف وعندما نحتفي بالمولد النبوي الشريف فلابد أن نعرف أن المحبة الحقيقية تبدأ باتباع سيدنا محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ والسير على هداه. فالحب يبدأ من هنا .. يبدأ من السير على نهجه وينطلق من متابعة سيرته وتعلم سنته صلى الله عليه وسلم حتى نستطيع أن نقترب من هذه الحياة الكريمة التي نتعلم منها كيف عاش النبي صلى الله عليه وسلم في مكة؟ وكيف دعاها إلى الله وصبر واحتسب ليعلمنا من خلال ذلك أن نصبر ونحتسب عند الدعوة إلى الله وعند التحرك للدفاع عن دين الله، وكل هذا وغيره نستفيده منه كلما اقتربنا من السيرة النبوية.
ومن هنا فهذه المناسبة الطيبة التي تظللنا في ذكرى المولد النبوي الشريف ومشرق المجد الإسلامي المنيف نتعلم منها سيرة هذا الإنسان الذي شاد صروح هذا المجد بأمر الله واختيار الله.
وليس المولد هو مجرد تجمع عابر، وإنما فرصة للإقبال على سيرته وتعطير الأجواء بصور من حياته، والمسلمون في شتى بقاع الأرض يستقبلون المولد النبوي سعداء مستبشرين بهـ، والمجالس تبدأ بقراءة القرآن الكريم واستعراض سيرته وجمع صفوة من العلماء ليتحدثوا إلى الناس عن بعض جوانب العظمة في سيرته صلى الله عليه وسلم وصور الكمال والجمال في خلقه وخلقه، ويتأملون كيف أنقذ الله البشرية من ظلام الشرك والوثنية وحقق لها العزة والكرامة.
فولادته صلى الله عليه وسلم كانت نعمة وضياء، ورحم الله الشاعر أحمد شوقي وهو يقول:
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
والروح والملأ الملائك حوله
للدين والدنيا بها بشراء
والعرش يزهو والحظيرة تزدهي
والمنتهى والسدرة العصماء
وإنها لمناسبة مفعمة بالنور، مترعة بالسعادة لكي نقرأ السيرة الزكية، ونستوعب أحداثها، ونستعيد ما حوته من دروس وعبر، وإن هذا لمن أقوى الأسباب التي تشعر الأبناء بعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وثراء حياته المشرقة بصدق الإيمان، المضيئة بجلائل الأعمال وجسيم التضحيات وتملأ نفوسهم بحب رسول الله وتعظيمه وتوقيره، وإن هذا بدوره لمن أقوى الأسباب التي تجعلهم يحبون سنته ويعظمونها ويحرصون على العمل بها، ويا ليتنا ننتهزها فرصة في كل عام فنجمع الأبناء والبنات ونتدارس معهم تاريخ هذا الرسول الكريم ونتعرف إلى أخلاقه الفاضلة وشمائله الكاملة وما أكرمه الله به من صفات ومزايا وما ميزه به على سائر الأنبياء من منح ومنن وكيف جعل خلقه القرآن وامتدحه فيه بقوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) (القلم: الآية 4).
وختاما، فأنا ممن يشعرون بأن من حق هذه الأجيال علينا أن نربطها بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن نغتنم المناسبات لنعلمهم جوانب من تلك السيرة المشرقة التي كلما قرأوها أضاءت لهم الطريق لسيرة هذا الحبيب الذي أحبه الله، وأمرنا بحبه والسير على نهجه وجعله القدوة والأسوة.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.